مقال 11

TEACHERS CONCERNS

IN A CHANGING AGE

HASAN YAHYA, PH.D

 

هموم المدرسين في عصر متغير

د. حسن عبد القادر يحيى

 

أثبتت الدراسات مؤخرا أن من أهم الصفات التي يتصف بها المدرسون والمدرسات هي أنهم أطول عمرا ممن يعملون في أي مهنة أخرى . جاء ذلك في مجلة "السكان" الصادرة في الولايات المتحدة . وقد استمرت تلك الدراسة أكثر من خمسين عاما ، حيث بدأ الإعداد لها  في عام 1940 وشملت 16 دولة غربية صناعية بالإضافة إلى اليابان . فهل تعتبر هذه ظاهرة إيجابية أم سلبية للمدرسين والمدرسات؟ ولا أعتقد أن نفس النتائج ستظهر ، لو نفذت الدراسة في العالم العربي حول طول عمر المدرسين ، أو حول الأسباب التي تطيل أعمارهم. ولكن طول عمر المدرسين لا يقدم أو يؤخر في العملية العليمية ، لأن عملية التربية والتعليم عملية متشعبة يشارك فيها المدرس والمدير والموجه والمنهاج والبيئة المدرسية وأولياء التلاميذ وإدارات الدولة . وتشابك نوعية هؤلاء مع المدرس قد تقصر أو تطيل عمره . فمن هو المسؤول عن فشل العملية التربوية ؟  هل هو المدرس أم المدير؟ هل هو الموجه التربوي أم الوزير ؟ هل هي الوزارة أم المجتمع ؟ هل هو المنهاج أم الطالبة والطالب؟ وهل . وهل . وهل

قال لي مدرس : إن المدير يعيش في عالم بعيد جدا عن عالم المدرسين ، فهو يأمر ويراقب وينتقد ويفصل ويتحكم في المدرسة كما يشاء ، وأهمها أنه لا يعامل المدرسين كبشر لهم عقول أو ضمائر . وقال لي مدير: المدرسون لا يفقهون شيئا من أعمالنا وهم كسالى يحتاجون مراقبة آنية للحفاظ على سير العملية التربوية . وهم قليلو حيلة لا يعملون إلا ما يطلب منهم ، وهم تابعون غير مجددين في طرق تدريسهم البالية . وقال لي موجه تربوي: المدرسون مسحوقون بالعمل اليومي في التدريس وهم موظفون ينتظرون معاشهم في نهاية الشهر ، وهم لا يهتمون بنفسية الطلاب ولا بأوامر المدير أو الموجه ، فهم يعتقدون أن المدير والموجه أعداءهم أو أنهم قادمون من كوكب آخر.

وبعد استماعي إلى العديد من هذه التصريحات ، وجدت أن الجميع مغرق في خطا التعميم على الجميع في الطرف الآخر (هم) ، دون وزن لمشاعر الآخرين أو وزن للمدرسين المتفانين في وظيفتهم أو للمديرين بفعالية لمدارسهم أو للموجهين الخبراء في توجيههم الفني أو التربوي .وليست المسألة من هو على حق منهم ، ولكن المسألة هي فهم وظيفتهم ومستوى طلابهم وطالباتهم . فهم في مرحلة من مراحل العمر الذي هو تعلم مستمر قبل المدرسة وبعدها أي من الميلاد حتى الممات .

إن الأدوار التي يقوم بها المدرس أو المدير أو الموجه إنما هي أدوار تحتاج إلى إتقان ، كالممثلين على المسرح ، ففيهم الفنان الذي يعرف دوره فيتقيد به ، ومنهم الفنان الذي يبتكر في النص أو الإخراج إذا ما صادفته مشكلة في البيئة المسرحية كالضوء أو الصوت أو النسيان لكلمات الدور . فالمدرس فنان ، والمدير فنان ، والموجه فنان ، وشتان ما بين الفنان الجدير بفنه والفنان الذي لا يكون جديرا بذلك الفن . ومن أخطاء المديرين سواء كانت أخطاء تعيين أو أخطاء كفاءة أو أخطاء تخصص ، أو أخطاء نفسية ، فإنها تنعكس كلها على المدرسين . فكم من مدرس كفؤ انطفأ سراجه من كثرة اندفاع هواء كلام المدير ، وذابت شعلته من عدم تقدير جهده وكفاءته .

وإن كان من الصعب توجيه اللوم إلى أحد ، فإن التربية والتعليم اليوم تختلف اختلافا جذريا عن التربية والتعليم قبل خمسين عاما مثلا . خاصة في مجالات التخصص وتنوعها وطرق التدريس الحديثة ونوعية المدرسين والمدراء والموجهين . بالإضافة إلى ما تتمتع به المدارس من مباني وفصول حديثة وخدمات مواصلات وتغذية ، لم تكن موجودة في السابق . فالعملية ليست من صنع جانب واحد وإنما عملية مشتركة يشارك فيها المجتمع بكل فئاته . والتراث عادة له أهمية خاصة في الحض على محبة تناول العلم من المهد إلى اللحد.

فليسأل كل مشارك في العملية التربوية قبل اتهام الآخرين المشاركين فيها نفسه هذا السؤال: هل قام بدوره كاملا كمدرس (كمدرسة) أو كمدير (كمديرة)  أو كموجه (كموجهة) أو كموظف (كموظفة) أو كعامل (كعاملة) في مدرسة أو إدارة أو وزارة ؟ هل حاول الاستفادة من التقدم التكنولوجي والعلمي في مجال التربية والتعليم ، أم أنهم ظنوا خطأ أنهم ملكوا العلم في مجال وظيفتهم ولا يحتاجون مهارات جديدة ؟ هل غيروا ما بأنفسهم وتقبلوا الأجيال الجديدة بصدر رحب كما هم لا كما يتصورونهم أو يتخيلونهم مثاليين محبين للعلم ؟ هل طبقوا النظريات أم استمروا بعملية تخزين المعلومات من طرف واحد ؟ هل بدأوا يفهمون نفسية الأجيال الجديدة من الطالبات والطلاب ؟ هل غيروا من طرق التدريس البالية التي تركز على المدرس أو المنهج واتبعوا الطرق الحديثة التي تركز على المتعلم والمتعلمة ؟ وهل زادوا من معلوماتهم العلمية التي تيسر عملهم كمدرسين ومدرسات أو مديرين ومديرات أو موجهين وموجهات ؟

لم نذكر حتى الآن هموم المدرسين التي تتصل بعدد الحصص اليومية والأسبوعية ، ولا بحجم ونوعية المنهاج الواجب إنهاؤه ، ولا بمستوى العائد المادي الشهري على جهودهم ، ولا بمشاكل التقويم (التقييم) أو مشاكل المواصلات ، ولا بمشاكلهم الأسرية ، ولا بمشاكلهم النفسية، وكلها لها أثر في العملية التربوية . فاتقوا الله يا من تشاركون في العملية التربوية  في المدرسين وابحثوا عن دوافع تدفعهم للامتياز والكمال في عملهم . فهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من علمني حرفا كنت (أو صرت) له عبدا . أو كما قال.