مقال 4

HAPPINESS

HASAN YAHYA, PH.D

السعادة

د. حسن عبد القادر يحيى

السعادة هي شعور يفرح النفس والروح معا ويريحهما ، فمثلا نلاحظ الشعور الذي يحسه الإنسان بعد تحقيق شيء له أهمية خاصة عاطفية في حياته  كالنجاح بعد الدراسة المرهقة أو الشفاء من مرض عضال ميؤوس من التخلص منه ، أوعودة حبيب أو أخ أو ابن بعد طول غياب. أو بعد تحقيق ربح لجائزة تفوق التوقع الإنساني ، مثل ربح جائزة المليون دولار أو كيلو من الذهب (كما الحال في مهرجان التسوق الذي جرى في دبي )أو ربح سيارة من الجرائد التي تعلن عن مثل تلك المسابقات  . كل هذه الأمور تدعو إلى السعادة في العصر الحاضر ، فهل كانت هذه الأسباب من مقومات السعادة في العصور القديمة؟ ربما ،  وقد قرأنا أن تلك المقومات لا تزيد عن ثلاثة في العهد اليوناني أو الهلليني القديم وهي:  امتلاك بيت والحصول على زوجة ، وامتلاك ثور . وهذه  مقومات السعادة عند الكثيرين في العصور القديمة ، لأن البيت يعطي الأمان والطمأنينة ويحمي من عوامل الطبيعة ونكباتها في البرد والشرد ، وكذلك الزوجة فهي من مكملات السعادة لأنها تعطي الراحة النفسية والجسدية وتقوم بخدمة مهمات البيت كما يجب ، وأما الثور فهو العنصر الثالث للسعادة في العصور القديمة وهو يساعد في نقل الأثقال والقيام بالحرث والأعمال الزراعية بالإضافة إلى فائدته كطعام ولباس وحاجات ضرورية كالقرون والحوافر . والبيت سابق على الدولة عند أرسطو وهو الأساس لجلب السلامة والأمن والطمأنينة . أما الأسرة فهي أساس مكونات الدولة،  والحياة الأسرية هي التي تجعل المجتمع يستمر والبيت هو الذي يقدم الحاجات الضرورية لساكنيه. ووظيفة الدولة ليس لحماية الملكية (البيت والأرض) فقط ، وإنما لحفظ الأمن والمساعدة على جعل الحياة للناس أفضل وأكثر سعادة. وليست السعادة في الحرية ولا في الأوقات السعيدة وهي ليست هدية من الجنة. ولكنها رهن بتحقيق الإنسان لها على الأرض. والسعادة في رأي أرسطو هي: السلوك الإنساني حسب الفضيلة. (فسعادة الإنسان تكمن في فعل الخير - وهذه الفكرة قريبة الشبه بالإسلام)  فالفضيلة إذن عند أرسطو هي أساس السعادة. وهي فوق القوة والقدرة على عمل شيء وتتضمن التقدير الاجتماعي والاحترام. والسعادة وصف لقيمة مالكها. وتعني القوة التي هي خاصة بالفرد وتجعل منه إنسانا كاملا. ومما يميز الإنسان عن الحيوان في نظر أرسطو ، قدرته العقلية وهو يعتبرها أعلى ما يحوزه المرء من فضائل. وأما وسيلة الإنسان لتنشيط تلك الفضيلة فهي استعمال العقل ، وف رأيه أن  البشر ليسوا قادرين على الكمال والشعور بالسعادة المطلقة. ولا يستطيع المرء الحصول على السعادة الحقيقية (المطلقة) لأنها صعبة التحقيق وأبعد من متناوله في الحياة الدنيا  . ويرى أرسطو في الرجل الطيب أنه  قيثارة تصدح بالموسيقى التي تشغل الروح بالفضيلة. فإذا كانت هناك أكثر من فضيلة فان نشاط الروح يكون من أفضل الفضائل. والسعادة ليست حالة أخلاقية لأن النائم لا يشعر بالسعادة وهو نائم. وليست هي حالة الثراء المادي ، والقول أن البضائع والمستهلكات تجلب السعادة كالقول أن القيثارة تعزف الموسيقى. وليست السعادة الحصول على القوة أو الحصول على الشرف. والبحث عنهما يكون لاستعمالهما من أجل التوصل إلى السعادة،  وليست السعادة شهوة جسدية أو مجانبة الألم وإلا كان الحيوان أكثر سعادة من باقي المخلوقات عند صيده فريسته. وحسب اعتقاد أرسطو فإن  السعادة ليست صفة للحياة لأن النبات يشارك الإنسان فيها ولكن النبات ليست عنده قابلية للسعادة . وليس من المبالغ فيه القول أن السعادة تعتبر أعلى ما في الإنسان من طيبة وخير كمقياس لتحقيق الذات. وليست السعادة شيئا بجانب الأشياء الأخرى وإنما هي الشيء المرغوب أكثر من غيره من الأشياء. ورغم أن هذا أمرا معروفا بين الناس إلا أنهم يختلفون في معناها ووسائل تحقيقها.                     

 طبيعة السعادة: لا بد من تحليل وظيفة الإنسان للحكم على سعادته ، فما وظيفته؟ إن وظيفة الإنسان  في رأي أرسطو ليست الحياة الإنسانية فقط أو القدرة على البقاء  ،  لأن المخلوقات الأخرى تشاركه فيها كالنبات والحيوان. كما أن السعادة ليست مظهرا لزيادة الحاجات وامتلاك الصحة. وأما الشيء الثاني فوظيفة الإنسان ليست الاحساس والمشاعر بالحياة ، لأن الحيوانات من الخيول والماشية والجمال والغزلان تشاركه في ذلك. فلم يبق من وظيفة للإنسان إلا  الحياة العملية المنطقية التي لا توجد إلا بوجود  الإنسان. ولكن الجزء المنطقي له جانبان: أولهما انقياده للعقل. والثاني هو امتلاك العقل والذكاء. ومن الصعوبة بمكان أن يكون الناس منقادين بعقولهم التي تدعوهم لعمل الخير وفي نفس الوقت يجدون صعوبة في التحكم بتلك العقول التي تنحرف بهم أحيانا إلى عمل الشر. والحل عند أرسطو أن الحياة العملية يمكن تفسيرها بطريقتين: حالة أخلاقية ندعو وحالة نشاطية تأتمر بالعقل الخير ، والنشاط الروحي في الحياة أكثر واقعية من التصور. وسعادة الإنسان تكمن في وظيفته اذن وهي النشاط الروحي الذي يأتمر الإنسان بفعله عن طريق العقل وليس مستقلا عنه.

هل تعتبر السعادة سببا أم نتيجة لسبب آخر؟ إن كانت سببا فهي فردية وقد تكون جماعية ، فالسعادة قد يسببها الفرد بشخصيته ، ويترجمها بسلوكه ، ويطبعها بتصرفاته ، وقد يسببها الآخرون ممن حولنا خاصة ممن نحبهم ويبادلونا الحب والاحترام والتقدير. وإن كانت نتيجة فهي جماعية وقد تكون فردية أيضا . فالسعادة تظهر على الآخرين كما تظهر على الأفراد من حولنا . 

أما عن العوامل التي تخلق السعادة أو التعاسة فهناك عوامل داخلية تسبب السعادة أو التعاسة، وهناك أيضا عوامل خارجية تعتبر سببا أو أسبابا للسعادة أو التعاسة ، فالسعادة تكمن في وصف النفس كما هي لا كما يجب أن يراها الناس ، إذ أن القناعة كنز لا يفنى كما يقال . ومعرفة حدود القدرة الإنسانية تبعث على السعادة بلا شك . 

 وهناك حواجز تمنع حصول السعادة : مثل الأقنعة والتظاهر بما ليس حقيقيا في حياة البشر، ومنها حواجز الأسرار ، وقلة العقل ، والشعور بالجوع والعطش ، وحواجز ضعف الشخصية .  والشعور بالندم والأسف ، والنظر إلى ما في أيدي الناس مما يسمى بالحسد ، ومقارنة النفس بالآخرين ، بالإضافة إلى الحواجز المانعة للسعادة السابقة، هناك حواجز الفشل أو الصعوبة في تحقيق الأهداف المرسومة لقلة أو ضعف الوسائل ، والنظر إلى النصف الفارغ من الكأس لا النصف المليء منه ، وبناء على ما سبق ذكره فإن هناك من هو سعيد بعقله ، ومن هو سعيد ببطنه ، ومن هو سعيد بمظهره ، وكذلك من هو سعيد بنفسه ، أو بغيره.

والبساطة أحيانا تجلب السعادة: ألا نذكر قصة زوربا اليوناني ، ذلك الرجل البسيط ، الذي يرقص كلما تأزمت الحياة في وجهه وتعقدت ، وفي الصراحة راحة أحيانا ، خاصة مع النفس ومع الآخرين ، وفي القرار بأن نكون سعداء (متفائلين) تكمن السعادة ، وليس في التعاسة (أو التشاؤم) . وتعتبر السعادة حقا مشروعا لكل إنسان ولكنها تختلف باختلاف  الدور الذي نلعبه كأم  ، أو كأب ، أو كمعلم ، أو كطالبة ، أو كتاجر ، أو كسفير . وتختلف معايير السعادة باختلاف العمر : فالصغير يختلف في سعادته عن سعادة مقتبل العمر . كما تختلف معايير السعادة باعتبار الاختلاف في المستوى التعليمي : فالسعادة عند الجاهل الذي لا يقرأ ولا يكتب تختلف عن السعادة عند  قليل التعليم أو  متوسط التعليم أو عند خريج الجامعة .

وقد تكون الوظيفة عاملا من عوامل السعادة : وقد تكون الوظيفة مناسبة فتجلب السعادة ، وقد لا تكون مناسبة فتجلب التعاسة ، والقناعة عنصر فعال في السعادة لأن القناعة كنز لا يفنى فهي  تمنع الحسد والنظر إلى ما في أيدي الناس ، وقد تؤثر عوامل أخرى مثل الميول والرغبات في السعادة وفيما إذا كانت هذه الميول  بريئة أوغير بريئة أو هي خير أو شر. وفيما يلي إجمال لبعض النصائح للحصول على السعادة والتمتع بها : أن تكون السعادة أولا الهدف للحياة وليس الوسيلة لشيء آخر ، والحلم بالسعادة يجلب السعادة ، والشعور بالسعادة يجلب السعادة ، والصدق في التعامل مع الناس ، والانفتاح والتمتع بعدم تكدس الأسرار يجلب السعادة ، والإصغاء للغير والمشاركة في نشاطاتهم يجلب السعادة ، والتغني والاتصاف بالقناعة يجلب السعادة ، وأخيرا فإن الثقة بالنفس مهما صغرت أو حقرت تجلب السعادة ، وحب الناس للناس للآخرين يجلب السعادة ، ويمنع الكراهية . فالنفس كتاب مفتوح تفتح قلوب الناس ، والتعبير عن النفس بصدق ودون أقنعة يؤدي إلى السعادة ، والسعادة سلام مع النفس ، ومشاركة للآخرين ، وتؤدي إلى تعاون ومحبة واحترام بين الناس .